ظهرت فى الآونة الأخيرة عدد من المراكز والجمعيات المهتمة بالتنمية البشرية في تونس، و هذه ظاهرة اكثر من رائعة ،تـُشعرك بأن الوعى بالاستثمار فى العنصر البشرى اصبح له مهتمين حيث يقدمون لهم كافة الدراسات التى تؤهلهم لذلك مما اوجدت صفا طويلا ممن يريد ان يتخذ هذا المجال عملا له ، و لكن عندما يتحول الاهتمام بالعنصر البشرى الى استغلاله ماديا باسم التنمية البشرية هنا يصبح الامر مشابه لعلميات النصب

لنلق نظرة اولا علي البداية الحقيقية للعلم الزائف المسمي بالتنمية البشرية لنتعرف على مؤسسيه وأهدافه بل والحيرة التي وضع العلماء فيها من اجل وضع تعريف محدد له
ما هي التنمية البشرية ؟
اسس البرمجة اللغوية العصبية عالمان أحدهما أمريكي وهو ريتشارد باندلر و الاخر بولندي اسمه جون جندر عام 1973 وبعد عشرين عاما انشئوا ما يعرف باسم الاتحاد العالمي للبرمجة اللغوية العصبية والعالمان من اتباع المدرسة الوجودية المتعصبين لفكرة عدم الاعتراف بالأديان وقد انتقلت الفكرة الي البلاد العربية وتم انشاء الاتحاد العربي للبرمجة اللغوية العصبية ويسمونه بالتنمية البشرية وعلي رأسها بالطبع مصر علي يد الدكتور إبراهيم الفقي ومن ثم انتشرت من خلاله بالتعاون مع صلاح الراشد و الداعية عائض القرني إلى باقي الدول العربية و الاسلامية في شكل غزو فكري غير مسبوق فلا تكاد عينك الان تمر علي مكتبة او دار نشر الا وتجد مؤلفاتهم ومؤلفات تلاميذهم تطغى على كل ما حولها حتى قال عنها أهل العلم بأنها عبارة عن دين جديد ينبغي التحذير منه
:الدورات الوهمية و التحيل على العقول التونسية 
احجز مقعدك من الآن، الأماكن محدودة، فرصة لا تعوض ونحن تلاميذ الدكتور إبراهيم الفقى.. مئات الآلاف من الإعلانات والشعارات لدورات بمئات الدنانير ِ، باتت معلقة على ناصبة كل شارع بتونس ،و تتصدر صفحات التواصل الاجتماعي تدعو الطلبة والخريجين للتنفيس عن غضبهم من المجتمع الذى أصابهم بأمراض البطالة والوساطة والمحسوبية، بإعطائهم جرعة حماس مفرطة على يد مدرب تنمية بشرية برنامج تدريب المدربين ، يقنعهم ان ثمن الدورة، وجلوسهم وسط 100 طالب آخر أو أكثر لمدة 4 ساعات أمامه تنفتح بعدها لهم كل الأبواب المغلقة.. لذا وانطلاقاً من مبدأ البحث عن الحقيقة وحماية المجتمع كان لابد لنا أن نتحدث عن المسكوت عنه ونصل لماهية مراكز ومدربى التنمية البشرية فى تونس بين شقى العلم والخداع
:رأي علم النفس
التنمية البشرية « مُسكن » من لا مهنة له ، فى البداية يؤكد الدكتور طارق بالحاج محمد دكتور في علم النفس ، أن دورات التنمية البشرية بدأت تنتشر فى تونس بداية من عام 2003/2004، وبدأ مدربوها يلعبون على منطقة المقابلات الشخصية والسيرة الذاتية التى يقدمها الشخص للتقدم للعمل، ليقنعوهم بأن المشكلة ليست فى ضعف مؤهلاتهم أو مشكلة البطالة، وإنما فى عدم قدرتهم على التعامل، والذى يعنى تفسير الإنسان للألم ، باستخدام علم منطقة الألم أو منطقته على أنه شيء طبيعى ليقل شعوره به، وقال الدكتور طارق : « هذه الدورات مثل البراسيتامول أخذه الناس فى البداية كمسكن ثم تحول الأمر لإدمان ، ويأتى لى يومياً مرضى حاولوا علاج الاكتئاب بأخذ هذه الدورات دون جدوى ، فأمنعهم منها فوراً وأؤكد لهم أن هذه الدورات سبب رئيسى فى الاكتئاب، بسبب عدم مساواة الطموحات التى يبنيها مدرب التنمية البشرية بالوهم داخل المتدرب بالواقع الحقيقى الذى يجده عقب ذلك ». وأضاف الدكتور: « مشكلة التنمية البشرية أنها تكشف المشاعر لمستوى العقل فتبوبها لأن المشاعر تدفن القدرات الحقيقية للإنسان
:راي علم الاجتماع
مراكز الاحتيال باسم التنمية اصبحت موضة في تونس وهو ما تفنده الدكتورة سامية الحبيبي دكتورة في علم الاجتماع حيث تؤكد أن حمل لقب مدرب ليس سهلا كما هو الحال الآن فى تونس، « الدراسة مع الخبرة والتدريب هى المعادلة التى يجب أن تتوفر فى المدرب، ويجب أن يدرس كل منا فى تخصصه وليس كما يفعل بعض مدربى التنمية البشرية الذين يدرًسون لأى شخص من أى مجال ومعظمهم غير مؤهلين، ويخرج المتدرب دون أن يستفيد شيئاً سوى بعض الحماسة والفكاهة خلال الدورة » ، وتضيف الدكتورة انه: « هناك مراكز حقيقية ومعتمدة فعلا ومراكز أخرى تعمل بالتزوير والنصب، وللأسف ينساق المجتمع وراء التنمية البشرية لأنها الموضة فى هذه الأيام » .
:اعترافات العائدين من الخدعة 
اعلانات تتصدر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ، عناوين متعطش لها الشباب التونسي الذي يبحث على مفتاح النجاح و الكسب السريع مثل « هل لديك القدرة على الاقناع و تريد ان تصبح مدرب تنمية بشرية بشهادة معتمدة من جامعة امريكية او بريطانية او غيرها … التحق بنا في اكبر دورة في العالم العربي مشروع تدريب 100 الف تونسي و تحصل على راتب شهري ….او مشروع تدريب العرب النسخة التونسية
عناوين تتقاذفها المراكز فيما بينها دون تطبيق فعلي فمشروع تدريب 50 الف تونسي هو مشروع تبناه المركز الكندي للتنمية البشرية لكن لم يتحقق ثم الان تتبناه الاكاديمية للتدريب بنسخة جديدة لجلب المتعطشين للعمل
مشاريع وهمية بمبالغ خيالية ، تتطلب وقفة تامل و اعادة تنظيم هذا القطاع الذي اصبح « عشوائي في تونس » و لا يخضع الى مراقبة فقد ترصدنا العديد من حالات النصب على العديد من الشباب فقد اكد السيد عادل اصيل جزيرة جربة انه لو قرأت كتابا عن علم النفس سأستفيد أكثر من قراءة كتاب يقول لى « كيف تنجح
قد تكون التنمية البشرية أقصر طريقة لكسب المال،أشياء أشبه بالمخدرات ، و الدورات تفعل ذلك، يجعل الناس تشعر أن الدنيا وردية وفى أول صدام بالواقع سيذهب تأثير الدورة
« لو رقدت شوية نفيق عندي طاقة ايجابية »نجوى من بن قردان تقول انها صدمت بعد اسبوع من التكوين على يد مدرب مصري معروف انها لم تستفد كثيرا و انها في الحقيقة تنقلت من بن قردان الى تونس طلبا للعمل معهم مثلما وعدوها لكن المشروع لم يرى النور و تؤكد ان اغلب الحاضرين جاؤوا لنفس الغاية لكنهم اكتشفوا انها عملية تحيل و نصب

كل ذات بشرية تبحث على المثالية و النجاح في الحياة و هي نقطة التأثير في كل شخص يرغب في تحقيق طموحاته و قد نجحت العديد من مراكز التنمية البشرية في تونس من بيع اوهام وردية للتونسيين من خلال اجتياح عقولهم بافكار خيالية قد تصطدم بالواقع و تدخلهم في موجة من الاحباط و الشعور بالفشل لذلك من الواجب تنظيم هذا المجال « الجديد » و الحذر من الوقوع في مصيدة التحيل و النصب