رسالتي الى نواب مجلس شعبنا الموقر ونسخة منها إلى رئيس تونسنا العزيزة…

لكم حصانة البرلمان تقيكم من تتبعات القضاء ولي حصانة الكتابة أحرجكم بها…

يقول الخبر إن لجنة الحقوق والحريات والعلاقات الخارجية في البرلمان التونسي صادقت بالأغلبية على مشروع قانون صادر عن مجموعة من النواب لمنح ممثلي الشعب جواز سفر دبلوماسي…

خبر يأتي وسط أتون من الأزمات ترزح تحته هذه البلاد المنكوبة في بعض نخبتها… هكذا إذا؟!  يصبح جواز السفر الدبلوماسي ضرورة قصوى في ظل تعطّل عشرات الضرورات الأخرى.

منذ سنتين بدأت البحث في ملف للاستقصاء وكان التحقيق حينها حول نواب البرلمان التونسي من رجال الأعمال، وكانت الفرضية التي استغلت عليها تتحدث عن شبهة فساد متمثلة في استغلال بعض نواب مجلس الشعب سيما من رجال الاعمال لنفوذهم من اجل تنمية راس مال مؤسساتهم الاقتصادية بالحصول بطريقة غير مباشرة على صفقات عمومية تطلقها الدولة في العديد من المجالات.

لسوء حظي ربما ولحسن حظ من تعلقت بهم تهم فساد، لم يسعفني الوقت ولا الإمكانيات المادية للنبش أكثر في ملفات 217 نائبا، فانقطعت عن البحث بعد ان امضيت فيه اشهرا من الرصد والتدقيق في سجلات مؤسسات بعض من نواب مجلس الشعب.

توقفت عن البحث لكني أمسكت وقتها بتلابيب القصة وبدأت فرضيتي تتبلور واتضحت لي هنات كثيرة أوصلتني لتبيان أن بعضا من نواب برلماننا السابق كانوا يستغلون نفوذهم للحصول على اتفاقيات ومشاريع اقتصادية كما ان منهم من بعث شركات استثمارية تحت مسمى آخر اعتمادا على احد من المقربين لهم من أفراد عائلاتهم.

استراتيجية في التخفي تصب جميعها في استغلال النفوذ والتلاعب بالقانون والتحيل على المواطنين في عديد ولايات الجمهورية  حيث تنشط استثمارات بعض من نواب برلماننا السابقين العائدين إلى البرلمان ملتحفين تحت يافطة خدمة الصالح العام.

لم يسعفني الوقت لنشر التحقيق ولا انا أمسكت بكل تفاصيل الملف، ولكن بحثًا اوليا أوصلني لنتائج فيها شبهات فساد من قبل نواب شعب مفقّر ومعدم  يلبي نداء الصندوق في كل مرة طمعًا في الخلاص في دولة اكتسب برلمانها بعد الثورة حظوة وسلطة قويتين.

انقطعت بي سبل التقصي وانغمست في مشاريع اخرى، ولكن ما يحصل داخل قبة مجلس الأمة ذكرني في تحقيق لم يكتمل يومها وليتني صدمتهم به لعليّ أشفى ويشفى غيري من مواطنين فقدوا الأمل في ممثليهم في البرلمان.

يحيلني الوضع الحالي وما يحصل من مستجدات برلمانية إلى خطورة ما يحصل والحال أن من جاء بهم الصندوق في هذه المرة بعضهم أكثر شبهة وأقرب خطوة من الفساد، بل إن ملفات بعضهم لازالت مطروحة أمام سلطة القضاء المالي فهم حسب اعتقادي أو جلهم ذوي شبهة نحتاج جيشًا من صحافيي الاستقصاء ليكشف عوراتهم.

وسط هذه المعطيات المنذرة بأبواب فساد تخيلوا معي ان ذوي الشبهة الذين يصولون ويجولون في البرلمان، و إلى جانب ما يتمتعون به من  حصانة قضائية ينضاف الى رصيدهم امتياز جواز سفر دبلوماسي. جواز سفر يهربون به في اَي لحظة وبكل سهولة إلى جنات ضريبية أو بلدان لانستطيع ان نلاحقهم فيها للمحاسبة.

تخيلوا للحظة ان جل هؤلاء الذين جاؤوا الى البرلمان من شخصيات علقت بهم علامات استفهام كبيرة يصبح بين أيديهم وثيقة وامتياز يعمّق أزمة عدم القدرة على ملاحقتهم قضائيا في ظل دولة أساسها الإفلات من العقاب… فما بالك حين يصبح الإفلات من العقاب مدعّما بوثيقة تبيح المزيد من التفصي…

يمنحك جواز السفر الدبلوماسي يا نائب الشعب العظيم العديد من الامتيازات فبه أنت في حصانة شاملة في منزلك ومكتبك وعملك المعلن وغير المعلن ومصالحك العامة والخاصة.

وطالما أنت تحمله فأنت معفى من التأشيرة ومرحب بك اينما حللت تتنقل وسط المطارات في مسار خاص وأماكن خاصة بالدبلوماسيين. بجواز السفر الدبلوماسي انت ايضا معفي من الضرائب وأي رسوم شخصية أوعينيّة اثناء عملية السفر… بل اكثر من هذا لك ايها الحامل لجواز السفر الدبلوماسي، حصانة لحقائبك الدبلوماسية ومحتوياتها وإن كانت من الأموال المهرّبة أو العملة الصعبة، عن حسن نية طبعا…

لجنة للتحقيق في أحداث العنف التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة، ولجنة اخرى عن احداث الرش ولجنة في ما يعرف برثائق بنما ولجنة عن تسفير الشباب الى بؤر التوتر، و اخرى عن تصنيف تونس ملاذا ضريبيا من قبل الاتحادالاوروبي… لجان ولجان قوانين وهيئات معطلة… نواب برلمان اغلبهم متغيبون منغمسون في تكديس ثروتهم وسط شركاتهم ومشاريعهم وفرقهم  الرياضية.. نواب لا نرى بعضهم سوى مرات قليلة خلال مدة نيابية كاملة فيما يحصلون على رواتب وامتيازات جمة.

من حق نائب البرلمان، إن كان نظيف اليد طبعا، ان نسهل عليه مهمته ولكن ليس من حقهم جميعا في ظل ما نعيشه اليوم من تحديات ان يبجلوا امتيازًا مثل الحصول على جواز سفر ديبلوماسي على الكثير من الملفات الحارقة الأخرى المتراكمة التي تحتاج البت فيها والالتفات إليها.

من حق المواطن الذي جاء بكم إلى سدة البرلمان أن يطالبكم بالنتيجة، أن يحاسبكم إذا اخفقتم أو ماطلتم أو تأخرتم عن الانغماس في القضايا الأساسية التي تهمّه.

يحتاج الأمر بداية على حد اعتقادي، أن يبرهن لنا نوابنا من الجدد في أروقة البرلمان قدرتهم على تركيز الهيئات الدستورية ومناقشة القوانين الراكدة والوصول إلى نتائج اللجان المفتوحة منذ سنوات.

يحتاج الأمر فعلا ان ينجح هؤلاء فيكون جواز السفر الدبلوماسي، ربما، مكافاة لهم على نجاحهم…

يحتاج الأمر فعلا أن نقف في مواجهة غيابهم وتقاعسهم ومماطلتهم في المصادقة على مشاريع القوانين وتأخير إرساء قواعد الديمقراطية الحقيقية وبأن يكون لتونس مؤسساتها الدستورية.

نواب الشعب العظيم هل يقلق حضراتكم الوقوف وسط طوابير المنتظرين في مطاراتنا، وهل هناك إشكال في أن تقفوا حذو من صوّت لكم.. هل يزعجكم إن اختلطتم بمواطنين مثلكم كان لهم الفضل في ما انتم فيه من حصانة؟!

قد يكون أنسب للمواطنين فعلا ألاّ يقف بعضكم وسطهم.. ففي بعض من نوابنا رائحة فساد تزكم أنوف المنتظرين.. بعض من نوابنا تتصاعد منهم رائحة نتونة الفساد وتمتد الى الطابور فتفسد على المسافرين متعة السفر…

لعلكم لا تحتاجون لسفر يا نواب مجلسنا الموقرين، فنحن نحتاج منكم فقط بعضا من وقتكم تنغمسون فيه داخل مكاتب البرلمان على معالجة ما علق في هذه البلاد من ملفات وأزمات.

لا يحتاج الأمر أن يسند لحضراتكم جواز سفر دبلوماسي بل لعلنا نحتاج نحن أعضاء الشعب أن يفتك منكم جواز سفركم الحالي قليلا من الوقت حتى ينقص سفركم ولو قليلا وحتى تتأجل رحلاتكم ولو قليلا لتركزوا على ما ينتظركم من تركة قوانين وهيئات ولجان تحتاج منكم عملا في الداخل لا بحثا عن سفر.