أصدرت وزارة الصحة التونسية دراسة نشرت مؤخرا حول ظاهرة الاكتئاب، تشير إلى أن 8.2 بالمئة من مجموع المواطنين التونسيين يعانون الاكتئاب، وأن 35 بالمئة من المقبلين على العيادات بمراكز الرعاية الصحية الأساسية مصابون بهذا المرض النفسي.
دراسة إفتقدت للواقعية فبمجرد مرورك في الساحات العامة ونزولك الشارع تعترضك موجة من العبوس و الإحباط تعتلي وجوه المارة، ما يجعلك تفند إحصائيات الوزاراة و ترى أن العدد أكبر بكثير مما نشرته وزارة الصحة التونسية

من يخلق الاكتئاب؟

الإكتئاب، اعتلال عقلي يعاني فيه الشخص من الحزن والمشاعر السلبية لفترات طويلة، وفقدان الحماس وعدم الاكتراث. وتصادفه مشاعر القلق والحزن والتشاؤم والذنب مع انعدام وجود هدف للحياة و لكن يتجرد الوصف من معانيه عند الوقوف على أسباب الإكتئاب الدفينة واثاره الوخيمة، تلك الأسباب التي يراها البعض واهمة و يراها الأخرون سحابة عابرة و لكن تنقضي وتترك في طياتها أثار وخيمة على المجتمع

بات العالم الآن يدفع إلى نظرته الكئيبة المتشائمة ويجعلنا أكثر إيمانًا بها وتقبلًا لها من أي فترة زمنية مضت ،ففي ظل انحدار أسس و مقومات السعادة نرى الإكتئاب بات مصيراً محتوماً على المواطن العربي عامة والتونسي خاصة .. فلا عجب في ارتفاع نسبة حالات الانتحار في تونس بشكل مضطرد منذ أحداث 2010, الأمر لُقْي بقلق كبير في الأول ثم ما لبث أن صار خبر الإنتحار أمر عاديا تتناقله وسائل الإعلام بكل برودة ويتلقاه المواطن ببرود أكبر الأمر الذي يجعلنا نتذكر مقولة جوزيف ستالين: ‘ موت انسان واحد هو مأساة كبرى, وموت الملايين هي مجرد احصائيات’

الإكتئاب في الشارع التونسي

تمتلئ شوارعنا بالوجوه العابسة، الكئيبة، الملامح المختنقة، الغضب على الذات، البكاء الداخلي الانفجارات السريعة، النظرات الاحتقارية للذات ، التعاملات المادية المجردة من الأحاسيس، الحركة السريعة، اللهاث وراء اللاشيء، عدم الثقة، إرتداء الأقنعة، وكأن المواطن التونسي بات ينتظر الموت كخلاص ربما غداً، أو بعد غد

الإكتئاب اشد قسوة من الفقر

يأتي الفقر كنتيجة لمجموعة من المتغيرات التي تصيب ثوابت (اقتصادية، عسكرية،إدارية، أمنية)، ثم تتولد عنه حزمة تغييرات لثوابت (أخلاقية، سلوكية، إنسانية)، لكنه دوماً، أقل خطرا على الفرد، من الكآبة فما بالك إن إجتمع الفقر و الكأبة في مجتمع واحد يصير حينها الأمل ذنبا لا يغتفر
تؤثر الكآبة على مسار الاقتصاد مثلما يؤثر الفقر في تفشي الكأبة فبينهما علاقة إرتباط وسببية ،الإكتئاب يؤثر في حيوية المرء ما يستنزف قدرة تشغيل الإنسان لذاته، وإنعدام الرغبة في حيازة وظيفة “إن وجدت”،وكذلك الانزواء عن المشاركة في كل ما هو وطني (رياضياً، عسكرياً، ثقافياً، فنياً، تقنياً، إلخ) مما يتسبب في تدني القيمة السوقية العالمية لراية البلد و علامتها التجارية وسمعتها و يصير المرء أكثر ضعفاً وتزيد إحتمالية استقطابه ودمغجته من قبل اصحاب الفكر المتطرف .

للكآبة أخطار جمة تتمثل في تعطيل الوطن بسلبيات أكبر من انهيار اقتصادي مؤقت، وأكثر خطورة من التجاذبات السياسية، فكل المصائب يمكن تجاوزها، بينما البلدان المصابة بكآبة عامة لا تستطيع تجاوز أزمتها و النهوض بمجتمعها لأن الكأبة تقتل إرادة الشعب وبدون إرادة يبقى الوضع على ما هو عليه

أنماط الكأبة

للكآبة أنماط متعددة وهي لا تقتصر على كأبة المواطن أو كأبة الشعب بل تتعدى لتصيب كامل جهاز الحكومة للدولة، وهذا النمط هو الأخطر شرراً على الدولة، فتتعطل قدرة الحكومة على التنمية الداخلية أو الوفاء بأماناتها أو حتى زرع الأمل في شعبها، مما يفرز توسع الهوة بينها و بين المواطن، و هذا ما تعيشه تونس منذ سنوات الأمر الذي يستوجب تضافر الجهود من إرادة سياسية حقيقية ومجتمع مدني فاعل لمحاولة إنقاذ ما يمكن انقاذه
بالعزيمة و الإرادة وحدهما تتحرر العقول والطاقات وينطلق الذكاء التونسي إلى الآفاق الرحبة خلق وابتكار وإبداع، لنقطع مع أفة الإكتئاب ونزرع الأمل والتفاؤل في حياتنا