من يعيد الأمل إلى التونسيين؟ بقلم محمد كريشان

771

لا أحد يسأل عن التونسيين أو يهتم بهم!! في خضم الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها تونس حاليا وتصاعد المناكفات السياسية، المعلن منها والمكتوم، إلى مستوى غير مسبوق داخل حزب «نداء تونس»، وبينه وبين أحزاب أخرى، وبين حركة «النهضة» وغرمائها التقليديين من اليسار، وبين هذه الأحزاب فيما بينها، وبين بعضها ونقابة العمال «الاتحاد العام التونسي للشغل»… لا أحد فعلا فعلا يسأل عن التونسيين أو يهتم بهم
لا جديد إذا ما خضنا في تفصيل ما يعانيه التونسيون حاليا من استمرار غلاء الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع معدلات البطالة وتدهور قيمة الدينار أمام العملات الأجنبية وما تعانيه الدولة من ارتفاع مستوى الدين الخارجي وتراجع احتياطي النقد وازدياد معدلات الفساد وسوء الادارة وغياب الحوكمة وغير ذلك كثير، لكن من المفيد التوقف عند مسألة في غاية الأهمية رغم أنها من الصعب أن تخضع لقياس دقيق وأرقام محددة: خيبة الأمل الكبرى لدى التونسيين.
لا أحد يسأل عن التونسيين أو يهتم بهم… لأنه يبدو أن لا أحد من القيادات السياسية، الحاكمة أو المعارضة، وكذلك الأحزاب الوازنة، يمينها ويسارها ووسطها، والنقابات العمالية، العريق منها والجديد، استوقفته ضرورة البحث عن كيفية تجاوز هذا الشعور المدمر الذي تفشى الآن بين أغلب قطاعات التونسيين. إنه خيبة الأمل المريرة من كل الطبقة السياسية ونفض اليد تقريبا من أي أمل في إصلاحها
الأرقام المخيفة للأحوال الاقتصادية والاجتماعية يمكن أن تتغير ولو تدريجيا وبصعوبة خاصة إذا جاء من يبعث في التونسيين روح التحدي بالقدرة على تجاوزها عبر خطاب سياسي يحمل مشروع تغيير صادقا قادرا على تعبئة الناس لتحمل صعوبات مرحلة انتقالية عصيبة مع اقناع كل الطبقات بضرورة تقاسم أعبائها بعدل وإنصاف. لكن الخطير والمدمر الآن في تونس هو هذا الشعور الشعبي المتنامي بالاحباط من الجميع، هو كذلك هذا التساؤل المحير عن المستقبل بعد اتضاح عجز مجمل الطبقة السياسية ليس فقط في أن تكون في مستوى الحد الأدنى الملبي لتطلعات الناس بل كذلك في أن تعطي أية إشارة تفاؤل بالمستقبل. لقد «نجحت» هذه الطبقة في شيء واحد فقط هو إطفاء شعلة الطموح الجارف بعيد اسقاط بن علي في أن يكون مستقبل تونس أكثر اشراقا.
الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها تونس منذ أشهر وأساسا، منذ هذه المعركة السخيفة بين رئيس الوزراء يوسف الشاهد والمدير التنفيذي لحزب «نداء تونس» حافظ قائد السبسي، ليست وليدة اليوم بل هي احدى آخر حلقات ترهل الحياة السياسية نتيجة جملة من العوامل ساهمت، بدرجات متفاوتة، في ما وصلت إليه البلاد من انسداد كامل تقريبا، رغم بارقة الأمل المحدودة التي جاءت بها مجمل الاصلاحات السياسية وتعدد الانتخابات وآخرها الانتخابات البلدية الأخيرة في مايو آيار الماضي.
خيبة آمال التونسي العادي، وليس الحزبي المبرمج، جاءت من أكثر من جهة
خيبة أمل كبيرة من الرئيس الباجي قايد السبسي الذي توسم فيه التونسيون خيرا فإذا به يسقط تدريجيا في ما سقط فيه زعيمه الحبيب بورقيبة في آخر عهده، وقد تقدم به العمر، من وقوع تحت تأثير دائرة ضيقة من العائلة باتت تتدخل في شؤون لا علاقة لها بها. أكثر من ذلك، تورط قائد السبسي في ما لم يتورط فيه بورقيبة وهو محاولة فرض ابنه في زعامة حزب، وفي ما هو أكثر من ذلك في المستقبل، مع أن لا أحد ذكر كلمة خير واحدة في حافظ قائد السبسي لا كماض سياسي ولا حاضر ولا خصال شخصية تؤهله لأي شيء من ذلك على الإطلاق. خيبة أمل من حزب «نداء تونس» الذي ولد في وقته ليعيد بعض التوازن للمشهد السياسي بعد هيمنة حركة «النهضة» وبروز نوازع دينية متطرفة لدى بعض قادتها ولدى حركات أخرى على يمينها، فإذا بها الحزب لا يعدو أن يكون فقاعة سارع إليها، بانتهازية شديدة، خليط من الاتجاهات سرعان ما تفرقت بهم السبل لأهواء شخصية في الغالب. خيبة أمل من حركة «النهضة» التي وإن كانت مرونتها ساهمت في تجنيب تونس السيناريو الأسوأ إلا أن الإفراط في البراغماتية لا يمكن أن يقود في النهاية إلا إلى مهالك مختلفة. خيبة أمل من «الاتحاد العام التونسي للشغل» الذي يحتاج ربما إلى إعادة صياغة هويته ودوره لا سيما وأنه لم يجد بعد السبيل الأمثل للتوفيق بين الدفاع عن حقوق العمال والموظفين ومراعاة جوانب أخرى تتعلق بامكانيات البلاد ومستقبلها. خيبة أمل كبيرة أخرى من وسائل الاعلام الذي تحولت في معظمها إلى دكاكين مشبوهة التمويل والحسابات.
خيبات الأمل عندما تتعدد، مع غياب القيادة السياسية القادرة على اخراج الناس من هذا المزاج السلبي المحبط، لا يمكن سوى أن تزرع الخوف من المستقبل، لهذا يكثر التونسيين هذه الأيام من القول «الله يستر