نشر الفنان و الأكاديمي سامي بن عامر تدوينة على صفحته الرسمية على فايسبوك تطرق فيها إلى وجوب إعادة النظر في أيام قرطاج للفن  المعاصر

:و هذا نص التدوينة

أيام قرطاج للفن المعاصر مطلب قديم سبق أن دعونا اليه وجميل أن نراه يتحقق. بيْد أن المسألة لا تتعلق فقط بمجرد تحقيقه بل ايضا بنجاعته وحسن تصوره ووضوح الأهداف التي رُسمت له.
وفي معاينتها للدورة الأولى والثانية التي ستختتم اليوم، نلاحظ مسالتين اثنتين أضفيا على هذين الدورتين خللا وغموضا وارباكا.
المسألة الأولى تتعلق بتسمية هذه التظاهرة، حيث نسبت للفن المعاصر الذي يقصد به الفنون التي تخضع للاصناف الفنية التي طبعت الحركات الفنية الغربية في النصف الثاني من القرن العشرين كالفيديو والتنصيبات والبارفورمونس… مقارنة للاصناف الفنية التقليدية والمتجددة كالرسم والنحت والحفر. والواضح ان هذه الفكرة المنحازة إلى صنف فني دون آخر ، اصطدمت بالواقع المادي للفنون التشكيلية بتونس أثناء تنظيم الدورة الاولى، اذ تبين للمنظمين أن هذه الاشكال الجديدة المسماة « معاصرة »، لا تمثل إلا نسبة قليلة من تجارب الفنانين التشكيليين التونسيين.. والنتيجة أن الدورة الأولى كانت جلها مركزة، في المعرض الذي انتظم للمناسبة في مدينة الثقافة، على الاشكال التي تم اعتبارها ليست معاصرة كاللوحة والتي من المفروض تم إلغاؤها في التصور الأولي لهذه الأيام الذي تبين فشله وسوء تقديره. والحال انه لا وصاية على الفنانين في اختياراتهم، وانه لا فرق بين الاصناف الفنية، سواء تقليدية أو مستحدثة، الا من خلال قدرتها على التجديد والاظافة. وان المعاصرة معناها، ما ينجز اليوم ، بعيدا عن أي بعد ايديولوجي . وما ينجز اليوم ، هو متنوع بتنوع كل الاصناف الفنية، شريطة أن يرقى العمل الفني الى حدود الابداع والتجديد. ومن تعمد هذا الطرح المبني على الإقصاء، فقد جهل معنى المعاصرة الحقيقي.

والمسألة الثانية تتمثل في اعتماد الدورة الأولى خلال السنة الفارطة على شعار سوق الفن. وهو شعار تبين فشله.
فعلى غرار هذا المبدأ ، تم دعوة مجموعة من قاعات العرض من تونس ومن دول صديقة للمشاركة. وبادر وزير الثقافة على صفحته على الفاس بوك في صبيحة افتتاح هذه الدورة بالدعوة لاقتناء الاعمال الفنية. والنتيجة يعلمها الجميع. فلم يحصل لا بيع ولا شراء. وهذا منطقي ومنتظر. فسوق الفن مسألة معقدة تتجاوز هذه الطريقة السطحية في تصور الاشياء. وهي تفرض برنامجا متكاملا وبناء طويلا المدى، تُستخدم فيه عديد الآليات بطريقة عقلانية واستراتيجية. وقد ذكّرنا بذلك في مقال نشرناه بمناسبة انعقاد هذه الدورة الاولى.
وما يؤكد خلل هذه المسألة الاخيرة، التنازل في هذه الدورة الحالية على شعار سوق الفن، لكن المفارقة الحاصلة ، أنه تم الإبقاء على دعوة الأروقة الاجنبية للمشاركة فيها. علما وان الأروقة التونسية لم نسجل لها أي حضور يذكر. وان حدث ذلك، فيعني انها لم ترى في ذلك فائدة بعد أن عاشت تجربتها خلال الدورة الاولى. والسؤال: أي فائدة في دعوة الاروقة الاجنبية ما دامت الدورة الماضية بينت فشل فكرة سوق الفن والدليل انها تخلت على هذا الشعار في هذه الدورة؟
والمعلوم انه في مثل هذه المناسبات التي تدعى فيها الأروقة الاجنبية في كل بلدان العالم، يدفع أصحاب هذه القاعات أموالا طائلة مقابل استفادتهم بالمشاركة. ولا أدري إن حدث ذلك أم لا؟ واتمنى ان لا يكون الامر عكس ذلك. أي أن يكونوا قد تمتعوا بمشاركة مجانية وربما بتغطية إقامتهم. ويبدو ان الواقع هو كذلك. في هذه الحالة تصبح الوضعية فعلا عبثية وهدرا للمال العام.

اكيد أن مثل هذه التظاهرات ينتظرها الفنانون التونسيون وخصوصا الشباب منهم والذين يبحثون عن فرصة للظهور والمشاركة. وهذا حق ومطلب شرعي . لكن ان تتّضح اهداف هذه التظاهرة وان يتبلور المفهوم الذي انبنت عليه، فهذه من المسائل الضرورية والمؤكدة حتى لا تُصرف الأموال العمومية بكل سخاء في احتفال تقف حدوده بمجرد أن يزول.